مشكلة الهوية في السودان بين العروبة و الإنتماء الأفريقي
مقدمة
السودان دولة جسر بين أفريقيا والعالم العربي، لكن تاريخه المعقد جعله ساحة لصراع هوياتي بين “العروبة” و”الأفارقة”. هذه الإشكالية ليست ثقافية فحسب، بل سياسية واقتصادية واجتماعية، وتُعد أحد أسباب الحروب الأهلية والانقسامات التي شهدها السودان منذ الاستقلال (1956) حتى انفصال جنوب السودان (2011) وما بعده.
الجزور التاريخية للصراع
- ما قبل الاستعمار:
- تنوع إثني ولغوي وديني (قبائل نيلية، نوبية، عربية، أفريقية).
- الهجرات العربية والإسلامية (من القرن السابع) خلقت تمازجًا ثقافيًا، لكنها أيضًا رسخت تسلسلًا هرميًا اجتماعيًا.
- الاستعمار البريطاني (1899–1956):
- سياسة “فرّق تسُد”: فصل الشمال (المسلم الناطق بالعربية) عن الجنوب (المسيحي/الوثني متعدد اللغات).
- تعزيز النخبة العربية في الحكم، وإهمال المناطق الطرفية.
- ما بعد الاستقلال:
- هيمنة النخبة في المركز على السلطة والموارد.
- حروب أهلية متكررة (1955–1972، 1983–2005) بسبب التهميش السياسي والاقتصادي.
الثنائية الثقافية: العروبة مقابل الأفارقة
- الهوية العربية-الإسلامية:
- ربطت الحكومات المتعاقبة (خاصة نظام البشير 1989–2019) الهوية السودانية باللغة العربية والإسلام.
- فرض “التعريب” عبر المناهج التعليمية والإعلام .
- الاستعلاء العرقي بادعاءات النسب العربي لتبرير الصفوية والمكانة اااجتماعية
- الهوية الأفريقية:
- تمسك قبائل الفور، النوبة، البجا، وغيرها بلغاتها وثقافاتها الأفريقية.
- رفض التهميش و”العروبة القسرية”، والمطالبة بالاعتراف بالتعددية.
- ارتباط الهوية الأفريقية بالمطالب السياسية (مثل الحكم الذاتي، تقاسم السلطة والثروة).
البُعد السياسي والاقتصادي
- المركزية والاستبعاد:
- تركيز السلطة في الخرطوم، واستغلال موارد الأقاليم (النفط، الذهب، الأراضي الزراعية).
- إهمال تنمية المناطق الطرفية (دارفور، كردفان، النيل الأزرق الشمال النوبي).
- الصراعات المسلحة:
- حرب دارفور (2003–الآن):
- صراع بين “القبائل العربية” (مدعومة من الحكومة) و”القبائل الأفريقية” (مثل الفور والزغاوة وحرب الجنوب).
- اتهامات بـ”الإبادة الجماعية” وتدويل الأزمة.
- انفصال الجنوب (2011):
- نتيجة تراكم التهميش العرقي والديني، لكنه لم يحل أزمة الهوية في الشمال.
أزمات ما بعد 2011
- الثورة السودانية (2018–2019):
- هتافات الثوار مثل “حرية، سلام، وعدالة” تجاوزت الانقسامات العرقية.
- مطالبات بإسقاط نظام البشير وبناء دولة مدنية لا مركزية متعدد الهويات تعترف بالمواطنة المتساوية فقط..
- الحكومة الانتقالية (2019–2021):
- محاولات لإلغاء قوانين التمييز (مثل قوانين النظام العام).
- توقيع اتفاقية جوبا للسلام (2020) مع الحركات المسلحة في دارفور وجنوب النيل الازرق وشرق السودان ومسار الوسط ومسار الشمال.
- مع ذلك، استمرت التحديات الأمنية والانقلابات (مثل انقلاب أكتوبر 2021).
نماذج من الصراعات
- حرب دارفور هل من أجل الهوية:
- تصنيف الصراع في دارفور كـ”عربي ضد أفريقي” يخفي تعقيداته الاقتصادية (الصراع على الأرض والماء).
- دور الخطاب الإعلامي والسياسي في تأجيج العنف.
- النوبة: مقاومة التهميش:
- النوبة كرمز للهوية الأفريقية: الحفاظ على اللغة والثقافة رغم سياسات التعريب.
- النزاع حول سد كجبار وكيفية تأثيره على الهوية النوبية.
التحديات والحلول المقترحة
- التحديات:
- هيمنة النخبة العربية التقليدية على الدولة.
- غياب العدالة الانتقالية في مناطق النزاع.
- التدخلات الخارجية (دول عربية وأفريقية) التي تعمق الانقسام.
- الحلول:
- الاعتراف الدستوري بالتعددية:
- جعل السودان دولة لجميع مواطنيها بغض النظر عن العرق أو الدين.
- اللامركزية السياسية:
- توزيع السلطة والموارد بين الأقاليم
- إصلاح التعليم:
- تدريس التاريخ السوداني بكل تنوعه، وإحياء اللغات المحلية.
- المصالحة الوطنية:
- محاكمات جرائم الحرب، وتعويض ضحايا النزاعات.
خاتمة
الهوية السودانية ليست معادلة ثنائية (عربي/أفريقي)، بل فسيفساء ثقافية تتعرض لاستغلال سياسي. الحل يكمن في تجاوز الخطابات الإقصائية وبناء دولة تقبل التنوع كقوة وطنية. الثورة السودانية كانت بداية، لكن الطريق لا يزال طويلًا نحو المصالحة الحقيقية.
أسئلة للنقاش
- هل يمكن الإستفادة من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة التنوع وتأيس سياسي مشابه له؟
- هل يمكن فصل الهوية السودانية عن الدين الإسلامي؟
- كيف تؤثر العولمة على الصراع الهوياتي في السودان؟
- ما دور الفن والأدب في تعزيز الهوية المشتركة؟ مثل تجربة مدرسة الغابة والصحراء وهي حركة شعرية ثقافية تأسست في أوائل الستينات من القرن الماضي، وتعد من أبرز تيارات الحداثة الثقافية والأدبية في السودان في القرن العشرين رأت في مفهوم التمازج العربي الذي رمزت له بالصحراء والأفريقي ودلت عليه بالغابة كخطاب لمسألة الهوية السودانية.