سقوط الأقنعة في السودان: بعض المثقفين وطلاب السلطة – الدكتور الوليد مادبو نموذجًا
في خضم التحولات السياسية العنيفة التي يشهدها السودان، تبرز قضية مثيرة للجدل: انكشاف وجوهٍ كانت تختبئ وراء شعارات الثورة والتغيير، بينما تسعى في الخفاء إلى تعزيز نفوذها أو التربع على كراسي السلطة. يُعد الدكتور الوليد مادبو، الأكاديمي والسياسي المعروف، أحد النماذج التي أثارت نقاشًا واسعًا حول دور المثقفين وطلاب النفوذ في تعقيد المشهد السوداني. المثقفون بين الرسالة والسلطة لطالما مثَّل المثقفون في السودان صوتًا للضمير الجمعي، خاصة خلال ثورة ديسمبر 2019 التي أطاحت بنظام البشير. لكن مع تعثر المسار الانتقالي، بدأ يتضح أن بعض هؤلاء المثقفين، ممن قدموا أنفسهم كمناضلين من أجل الديمقراطية، تحولوا إلى لاعبين في لعبة السلطة، متناسين مبادئهم تحت وطأة الطموح الشخصي أو الإغراءات السياسية. الدكتور مادبو، الذي ارتبط اسمه بخطابٍ ثوريٍ نقديٍ ضد الاستبداد، أصبح يُنظر إليه اليوم من قبل قطاعٍ من الشباب والناشطين كوجهٍ جديدٍ لتحالفات السلطة القديمة. فبدلًا من أن يكون حارسًا لقيم الثورة، انخرط في مساوماتٍ سياسيةٍ أثارت تساؤلات حول جدوى الخطاب المثالي الذي كان يروج له. طلاب السلطة: من الثورة إلى المناورة ليست الفئة الوحيدة التي سقطت أقنعتها. ففي أوساط طلاب الجامعات، الذين شكلوا عماد الحراك الثوري، برزت مجموعاتٌ تتبنى خطابًا ثوريًا لفظيًا، لكنها تعمل خلف الكواليس لخدمة أجنداتٍ ضيقة. بعض قيادات الحركات الطلابية تحولت من مناصبة النظام القديم إلى البحث عن مناصبَ في المؤسسات الجديدة، أو التماهي مع تحالفاتٍ سياسيةٍ تكرس الانقسام بدلًا أن تبني وطنًا موحدًا. تداعيات السقوط: أزمة ثقة تهدد المستقبل هذا الانزياح من “الثوري” إلى “الانتهازي” ليس مجرد خيانة أخلاقية، بل هو ضربةٌ لشرعية أي مشروعٍ تغييري. فالشباب الذين قدموا التضحيات يرون نماذجَ مثل مادبو تنتقل من منابر النقد إلى دهاليز السلطة دون محاسبة، مما يغذي الإحباط ويهدد بإفراغ الثورة من مضمونها. الخلاصة: نحو مساءلة المثقف لا يعني هذا أن كل المثقفين أو الطلاب منحازون للسلطة، لكن سقوط بعض الأقنعة يدعو إلى مراجعة نقدية لدور النخب. فالمجتمع يحتاج إلى مثقفين يقفون على مسافةٍ من السلطة، يفضحون انحرافاتها ولا يتبارون للاندماج فيها. أما من يسقطون في هذا الامتحان، مثل الدكتور مادبو، فيتحولون من رموزٍ للإلهام إلى أمثلةٍ على الازدواجية التي تعيق بناء سودانٍ جديد. السودان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يستعيد ثورته بتنقية صفوف قياداتها، أو يكرر دورة الاستبداد بأوجهٍ جديدة. والقضية ليست في سقوط الأقنعة، بل في كيفية استخلاص العبر لصناعة قيادةٍ تؤمن بأن السلطة ليست غاية، بل مسؤولية.